إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

781 ـ موسى ـ عليه السلام ـ (القرن الثالث عشر قبل الميلاد)

موسى بن عمران أحد أنبياء بني إسرائيل، ورسول الله إليهم. وهو ليس أخا مريم بنت عمران. إذ يفصل بين عصريهما مئات السنين.

ولد موسى في مصر، وكان حاكمها فرعون قد علا في الأرض، وجعل رعيته شيعاً، فاستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل من سلالة نبي الله يعقوب. وكان الدافع لفرعون إلى هذا الصنيع، أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أن غلاماً سيخرج من ذريته، يكون على يديه هلاك فرعون مصر. فأمر فرعون، عند ذلك، بقتل من يولد من أبناء بني إسرائيل، حذراً من ظهور هذا الغلام.

ولمّا وُلد موسى، أخفته أمه عن عيون جند فرعون، ثم خافت افتضاح أمرها. فأُوحى الله إليها أن تصنع للطفل ما يشبه الصندوق، وتضعه فيه، وتلقيه في اليم. ففعلت ذلك، وطلبت من أخته أن تتبع أثره، وتأتيها بخبره. وكان الله قد أعلمها أنه رادّه إليها، وجاعله من المرسلين. والتُقط موسى وأُدخل دار فرعون، وأَلقى الله عليه محبة زوجة فرعون، فأبقته، ليكون قرة عين لها ولفرعون.

وجيء بالمرضعات لإرضاع موسى، فأعرض عنهن، فعرضت أخته على آل فرعون، أن تدعو لهم امرأة عبرانية ترضعه، وتقوم له مقام الأم. فبعثوها في طلبها، فجاءت بأمه، فأقبل موسى على ثديها، فألقوا إليها بموسى لترضعه. وبعد أن أتمت رضاعته، أتت به إلى بيت فرعون. وشب موسى هناك وكان قوي البأس، وافر القوة. وقد قصّ علينا القرآن الكريم، خبر هذه الحادثة في سورة القصص، الآيات 6ـ13.

اضطر موسى، أخيراً، أن يغادر مصر، متجهاً إلى مدين (بين الشام والحجاز)، طلباً للنجاة من قوم فرعون. وأثناء رحلته، تزوج بابنة شُعيب (نبي الله)، وأقام سنين في أهل مدين. ثم أراد العودة إلى مصر، وفي الطريق، رأى ناراً من بعيد. ولمّا اقترب منها، لم يجد أحداً، بل سمع صوتاً يناديه: يا موسى إني أنا الله رب العالمين. ثم دعاه ـ سبحانه وتعالى ـ أن يذهب إلى فرعون، يدعوه إلى فك أسر بني إسرائيل، وإلى الرشاد والعدل مع قومه، وحسن المعاملة، ودعوته إلى عبادة الله الواحد الأحد. وأعطاه برهانين خارقين. فكانت له معجزتان تحويل العصا إلى حيّة تسعى، وكذلك، إخراج يده من جيبه، بيضاء من غير سوء.

تهيب موسى الموقف، فدعا ربه أن يشرك معه في هذا الأمر، أخاه هارون، فاستجاب له ربه. فذهب موسى وهارون إلى فرعون وبلّغاه رسالة ربه. لكن فرعون وأشياعه أبوا اتباع الحق والهدى، وتمادوا في غيهم، على الرغم مما قَدّم إليهم موسى من معجزات وحجج بالغة.

وسار موسى بقومه إلى الأرض المقدسة (أرض فلسطين)، ووصل ساحل البحر الأحمر، على خليج السويس، فأدركهم فرعون وجنده، لكن الله نجاهم، عندما انفلق البحر أمامهم، فعبره بنو إسرائيل، بينما انطبق على قوم فرعون، وأغرقهم.

ولما عبر قوم موسى، سهول شبه جزيرة سيناء، شكوا إلى موسى ما يلقون من حرارة الشمس. فدعا ربه، فساق إليهم الغمام. ولما نفد زادهم، أرسل الله إليهم الرياح، تحمل المنّ والسلوى. ولمّا لم يجدوا ماء، أمر الله موسى أن يضرب الحجر بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً. ثم إنهم احتاجوا إلى منهاج يتبعونه، وشرع يركنون إليه، فسأل موسى ربه كتاباً، فأوصاه أن يصعد إلى الجبل، ويمكث فيه ثلاثين ليلة، حتى إذا أتمها أربعين، أعطاه ربه ألواحاً، كتبت فيها الوصايا التي يجب أن يأخذ بها بنو إسرائيل أنفسهم، ومن يأتي بعدهم.

أمر موسى أخاه هارون أن يكون خليفته على بني إسرائيل، خلال فترة غيابه، للنظر في مصالحهم وشؤونهم. وسار موسى إلى طور سيناء، فكلّمه ربه. لكن موسى طلب رؤيته، فأراد الله أن يعلمه أنه إنما طلب شيئاً عظيماً، لا تتحمله الجبال، فتجلّى الله للجبل، فصار دكاً وخرّ موسى صعقاً.

ولمّا أفاق من غشيته، خاطبه الله ـ تعالى ـ بأنه اصطفاه برسالاته، وأنه يوحي إليه، بلا وساطة، بل وبإسماعه ما يريد أن يبلغه إياه. وكان ما كتب في الألواح مواعظ وأحكاماً وتفصيلاً لكل شيء يهمّ بني إسرائيل.

وفي غياب موسى، أتى رجل ماكر من بني إسرائيل، اسمه السامريّ، بعجل له خوار، مدعياً أن هذا العجل هو إله بني إسرائيل وإله موسى. وقد فُتن بنو إسرائيل بهذا العجل وعبدوه، ولم يفلح هارون في ردّهم عن غيهم، حتى عاد موسى غضباناً معاتباً لأخيه، على نحو ما أخبرنا به القرآن في سورة البقرة، الآيات 148ـ152.

وسار موسى ببني إسرائيل إلى أن قرب الأرض المقدسة (فلسطين)، أرض الميعاد، التي وعد الله إبراهيم الخليل أن يجعلها مُلكاً للصالحين من ذريته. فأبى قوم موسى الدخول إلى تلك الأرض، وقالوا لموسى إن فيها قوماً جبّارين، وإنهم لن يدخلوها ما داموا فيها. فشكا موسى أمر بني إسرائيل إلى ربه، فأخبره أن تلك الأرض محرمة على قومه بسبب تخاذلهم وجبنهم، وأنهم سيتيهون في الأرض أربعين سنة. فكان بقاء بني إسرائيل في البرية، من عهد خروجهم من مصر إلى أن مات موسى، وعبورهم نهر الأردن، وتملكهم أريحا وما يتبعها من الأرض، غرب الأردن، أربعين سنة.

ثم شاء الله أن تنتهي حياة موسى، بعد كفاح طويل، وجهاد متواصل، مع فرعون وقومه حيناً، ومع بني إسرائيل، أحياناً أخرى، قبل أن يصل إلى فلسطين. ولا يزال الغموض يكتنف، حتى اليوم، ظروف موته، ومكان دفنه.

وقد تناول القرآن سيرة موسى، في مواضع متعددة، إضافة إلى الإشارات الموجزة والسريعة. مثل قوله ـ تعالى ـ: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيَّا

.

وقد ذُكر موسى ـ عليه السلام ـ في القرآن (136) مرة، وأول آية ذُكر فيها اسمه، هي: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ

. وآخر آية: صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى

.